في اللغة الروسيَّة، تعني كلمة "shlyopnut""أن تصفع"، ولكنها تُستخدم أيضًا، كما يُلاحظ بول غولدبيرغ في روايته الجديدة "اليهودي"، كمُصطلح عاطفي يعني "تنفيذ ارتجالي". هذه الغرابة اللغويَّة القاتلة تعكس روسيا في عهد ستالين بشكل مثالي، ففي أي مكان آخر يُصبح الحكُم الاستبدادي بالموت مربوطًا بالعواطف؟
كانت الحياة تحت حُكم جوزيف ستالين بالغالب وحشيَّة ودراميَّة وقصيرة، لذا فإنَّه من المُثير للاهتمام أن تحظى هذه الفترة بصفح كُتَّاب القصص الخياليَّة، بعكس ألمانيا في عهد هتلر، والتي حظيت باهتمامهم، وكذلك الحقبة التي تلت ستالين والتي استُخدمت أكثر كخلفيَّة قصصيَّة مُعتادة، ومع هذا، فإن لا هذه ولا تلك تستطيع مزج الارتياب والتعمير والقسوة التي اشتهر بها حُكم هذا الديكتاتور الذي دام ثلاثة عقود. اقرأ أيضًا: دوستويفسكي؛ حول العقل ضد القلب وكيف نصل لمعرفة الحقيقة.
الكُتُب المكتوبة باللغة الإنجليزيَّة والتي تجري أحداثها في الاتحاد السوفيتي تحت حُكم ستالين، أو حتَّى تلك المُترجمة للإنجليزيَّة، قليلة ومُتباعدة، إلا أنَّ القرَّاء المغامرين من الممكن أن يكونوا قد عثروا على قصص خياليَّة كلاسيكيَّة كتبها سوفيتيّون حول جرائم ستالين، مثل كتاب "الدائرة الأولى"لأليكساندر سولزينيتسين أو "حكايات كوليما"المُحزن لفارلام شالاموف، لكن لم يختر العديد من الكُتَّاب المُتكلِّمين بالإنجليزيَّة أن يكتبوا عن السنين التي قضاها ستالين في السُلطة كما انهالوا على الاثنتي عشر سنة التي بقي فيها أدولف هتلر مُستشارًا ألمانيًا.
تقول مارغريت زيولكوسكي، الباحثة في الثقافة الروسيَّة في جامعة ميامي في أوهايو:
"من الأسهل أحيانًا على الناس أن يستاؤوا من الأشياء التي حدثت في فترة قصيرة من الزمن بدل من تلك التي حدثت على فترة طويلة، في حالة الستالينيَّة، فإنَّك تتكلَّم عن فترة امتدَّت ثلاثين سنة بينما كانت النازيَّة فترة أقصر بكثير، مما جعل الأحداث التي حصلت، مثل الهولوكوست، أكثر دراميَّة ومحصورة زمنيًّا."
تحصل أحداث رواية "اليهودي"خلال آخر أيَّام شهر آذار من عام 1953 عندما وصل ارتياب ستالين المرضي قمَّته، حيث كان يُخطِّط لعمليَّة تطهيريَّة أُخرى مُنقطعة النظير من عملياته المُسمَّاة "عُقدة الأطباء"الموجَّهة ضد الأطباء اليهوديين الذين قيل أنَّهم انتقوا مرضى روسيين لعلاج رديء، إذ تفشَّت شائعات عن فشل مواطنين "عالميين" -طريقة لقول يهودي دون استخدام الكلمة، كما تقول إحدى شخصيات غولدبيرغ- وانتشرت شائعات عن أعمال مُقترحة ضد اليهود السوفييت من ضمنها مذابح واعتقالات وترحيل لمُخيَّم كوليما للعمال والذي هو جزء من نظام مخيمات سيبيريا (نظام غولاغ السوفيتي). اقرأ أيضًا: صمويل بيكيت في باريس: فراغٌ مضيء.
في الغرب، لا تتم مُناقشة عمليات التطهير السوفيتي التي حدثت في نهايات ثلاثينيات القرن العشرين أو نظام غولاغ السوفيتي بذات القوَّة أو التكرار كليلة البلور أو معسكرات الاعتقال، فاللامنطق الجوهري الذي يمتلكه اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، المُصر على استهلاك منطقه، صعب أن يُفسِّره الغرباء، ناهيك عن أن يفهموه، وتعقيد أثر الستالينيَّة على الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقيَّة يبقى غير مُكتشف بعد، حرفيًّا، إلا أن الروائي التاريخي اللوتاني-الأمريكي روتا سيبتيس، مؤلِّف رواية عن لاجئ من الحرب العالميَّة الثانية "ملح للبحر"، يأمل أن يوسِّع إطار القصص المرويَّة عن الأماكن والأزمنة المنسيَّة ويقول: "أحب أن أرى المزيد من القصص الخياليَّة عن بلدان كهنغاريا وأرمينيا وأوكرانيا، فمن خلال الشخصيات والقِصَّة تُصبح الإحصائيَّات التاريخيَّة إنسانيَّة."
قد يكون الأمريكيون أقل تقبُّلًا بسبب ميثولوجيتهم عن الحرب العالميَّة الثانيَّة، فأي شيء يُلهيهم عن هذه الصورة المُبسَّطة غير مُرحَّب به على الإطلاق، إذ تُضخِّم حكايات الرُعُب النازيَّة التجربة الأمريكيَّة وتضع الجهود الأمريكيَّة في المُقدِّمة بينما يُفرغ نقاش دور الاتحاد السوفيتي المركزي بموتاه العشرين مليون التجربة الأمريكيَّة، ويدفع بالجهود الأمريكيَّة للهوامش.
تفسير مُحتمل آخر هو إعادة تأهيل ستالين الأخيرة لروسيا، حيث تلاشت عمليات التطهير ومعسكرات الاعتقال الشيوعيَّة واستُبدلت صورة ستالين بأخرى ألطف كبطل وطني ومُنقذ، صورة مُبشِّرة البلاد ببسالة من خلال بوتقة الحرب العالميَّة الثانية، كما حاول فلاديميير بوتين أن يُعيد تشكيل ستالين على صورته أيضًا، معاملًا إياه كسلف قوي ولكن ضال في بعض الأحيان.
ويقع ستالين في مرتبة عالية عند السؤال عن أكثر الشخصيات الروسيَّة التاريخيَّة إثارة للإعجاب الأمر الذي يجعل مُحاسبة الكُتَّاب الروس للستالينيَّة محاسبة صادقة أمرًا أصعب بكثير مما نظن.
مع هذا، يستجيب الخيال للتيارات التأريخيَّة، فمثلًا، ساعدت عقود دراسة زوايا التاريخ الإفريقي-الأمريكي غير المُعترف به جيِّدًا، في تعبيد الطريق للانتشار الذي حصل مؤخَّرًا للروايات التي تتخذ من هذا التاريخ موضوعًا، مثل رواية جيمس هاناهام "الأطعمة اللذيذة"ورواية مات جونسون "اليوم المُحب"، وكذلك أعمال الباحث غيرشوم غورنبيرغ حول مشروع الاستيطان الإسرائيلي التي على الأغلب ألهمت روايات كرواية أساف غافروف الفائزة بجوائز "على التلَّة"والتي تدور أحداثها حول حياة مجتمع يهودي مُتخيَّل في الضفَّة الغربيَّة. اقرأ أيضًا: تأريخ التمييز العرقي في رواية "عاملة المنزل".
تُشير اتجاهات حديثة للمزيد من الكُتب حول الفترة الستالينيَّة، وقد وضعت أعمال مؤرخين كتيموثي سايندر وريتشارد أوفري جرائم هتلر وستالين في سياق معيَّن، مؤكدين على أنَّه لا يُمكن فهم أحدهما دون الآخر، حيث كان كتاب سايندر "أرض الدم"مراجعة شاملة للهولوكوست تُناقش في أنَّ أسوأ جرائم الحرب العالميَّة الثانيَّة كلعبة للمشروع السوفيتي-الألماني تحدث في "أراض الدم"؛ أوكرانيا وبولندا وروسيا البيضاء، ويقول سيبتس عن هذا: "أنا شخصيًّا مدين بالفضل للمؤرخين وكُتَّاب الوقائع مثل ]أورلاندو[ فيغز وسايندر، فالقصص الخياليَّة التاريخيَّة تحملها أكتاف الوقائع والمُذكِّرات والمواد الأصليَّة، فما أن تُنشر رواياتي أقوم بإحالة القُرَّاء والمدرسين للمصادر التاريخيَّة والوقائعيَّة."
يعود بنا كتاب سايندر الجديد؛ "الأرض السوداء: الهولوكوست كتاريخ وتحذير"، لذات الأراضي القاتلة، ويكتب فيه بشكل حسَّاس عن الـ21892 ضابط ومواطن بولندي الذين قتلتهم المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية (NKVD) سلف لجنة أمن الدولة (KGB) في غابة كايتن في نيسان 1940، حيث تعاون السوفييت والألمان في الفتك بالنُّخبة البولنديَّة، ولكن السوفييت كان لديهم، كما يلاحظ سايندر، خبرة أكبر في المجال قائلًا: "قتل أحد جلَّادي الضُّباط البولنديين، فاسيلي بولكين آلاف المواطنين السوفيتيين خلال التطهير الأعظم، وقد أطلق النار شخصيًّا، وهو يرتدي قُبَّعة جلديَّة ومئزرًا وقُفَّازات حتى كوعيه، حوالي مئتي وخمسين رجلًا كُلَّ ليلة."
ربَّما يكون هُناك رواية عن بولكين أو ضحاياه يومًا ما، ولكن سيكون على الرواية، غالبًا أن تحمل قلبًا فُكاهيًّا لتتصارع مع استحالة الستالينيَّة المُرعبة، وكما يقول أفريقي-أمريكي في رواية "اليهودي"مُتأمِّلًا: "السخافة والتاريخ، ألا يعنيان نفس الشيء في بلدك؟"
المقال مترجم؛ لقراءة النص الأصلي اضغط هنا.
اقرأ أيضًا:
كيفيّة التغلّب على عقبة الكاتب
24 كتابًا تأسيسيًا شكّل حياة ماركيز
رحلة القبض على المعنى؛ من الشاقّ إلى الأشقّ